الثلاثاء، 28 أبريل 2015

الرفض


سئلت نفسي سؤال 
ليه كتــــــــــير من الأسر بعد خلفتهم لبنت بسنتين تلاتة
تلاقي أول سؤال يسئلوه هوا 
ممكن أعلم بنتي جمباز فين ؟ 
و أشتري لبس الباليرينا منين ؟
رغم إن معظمنا من أسر متحفظة و كده كده أول ما البنت جسمها يبان حتبطل و متكملش
و مش بعيد تروح كام حصة و متكملش أصلا 

السؤال ليه ؟
حسيت إن السبب هوا إن أصحاب التصرفات دي عارفين إنهم أشخاص عادية
عاشوا حياة عادية 
اتجوزوا في ظروف عادية 
خلفوا بشكل عادي 
و حيموتوا كمان موتة عادية 
و حبوا بقا إبنهم يطلع طفل مش عادي 
من أول ما اختاروا اسم لمولودهم غريب و جديد على أساس يطلع سوبر بيبي 
لحد محاولاتهم المستميته إنه يدخل أعلى جامعة بأعلى تقدير ممكن

تخليص عقدة يعني 
و يا ريتها بتتخلص بتفكير زي إنهم يشجعوه أو يشجعوها على هواية ممكن يستمر فيها فعلا و يحبها 
لا ده هوا تقليد أعمى البنات باليه و الولاد كاراتيه و بخ .

تستمر الحياة بولادة طفل جديد يدخل مدرسة يطلع منها 
يتمنى يمارس عدد من الهوايات و أهله يحرموه
 لأنهم مركزين إنه يطلع صيدلي و لا باااااشمهندس قد الدنيا
يحب و حبه يفشل 
يتجوز جوازه فاشلة 
يخلف خلفة فاشلة و يتف كل ما شاف مراته و عياله عاليوم اللي شافهم فيه .
و يموت و هوا بيحاول يخرج من الدوامة دي .

في الدنيا فيه نوعين من البشر 
ناس غير عادية و مبدعة و خلاقة في حياتها و اختياراتها من أول ما اتولدوا لحد ما ماتوا 
و ناس عادية زي صحابنا اللي فوق اللي كان أغرب شيء في حياتهم بنتهم اللي سموها سهاتينر 
و برروا لكل الناس إن ده معناه لبن الغزال في شمال أوروبا 

كنت دايما بعتبر نفسي شخص مختلف من صغري بصراحة و أنا بحس إني غير الناس اللي حواليا 
كنت بحس بحاجات غيري مبيحساش , مشاعري مرهفة زيادة عن اللزوم و بحس بوجع اللي قدامي من عنيه 


في الحضانة مكنتش بلعب مع باقي الأطفال و كل تقاريري طالعة بإني إنطوائية و بحب ألعب لوحدي 
كنت بحب قوي أقعد في أنبوب في متاهة في ساحة ألعاب الحضانة و أقعد أتفرج من شباكه على كل العيال من فوق
مكنش حد يستجري ياخد مكاني في الأنبوب ده 
كان لونه أصفر على فكرة 

في ابتدائي خلال شهرين تلاتة اتعلمت القراءة بسرعة خلت كل اللي حواليا مصدومين 
في أجازة أولى ابتدائي كان كل اللي أعرفهم من سني لسه يادوب بيتكبوا كلمات بسيطة 
بينما أنا كنت رحت مكتبة ورانا و اشتريت منها مجموعة قصص كبيرة و قعدت أقرأهم 
أفتكر ماما مرة من المرات لقيتها بتبصلي و تقولي انتي بتتفرجي عالصور و لا بتقري بجد ؟
قلبت القصة ناحيتها قلتلها القصة مفيهاش صور 
حسيت بنظرة استغراب على اعجاب في وشها 

كان عندنا في شقتنا بلكونة بسور عالي جدا أطول مني 
كنت بدخل و أقفل على نفسي البلوكنة و أحولها لمرسم و مكتبة 
كانت مربعة و صغيرة , متفرقش عن الأنبوب كتير 
و مبسمحش لأي حد إنه يدخلها 
الكل عارف إن دي صومعة نون اللي ممنوع يدخلوها و إلا حيبقى فيه دم في الموضوع 
لحد ما لسبب ما أنا لحد دلوقتي أجهله ماما لقيتني فوق السور ببص لتحت و بفكر أنط 

اتنقلنا بعدها شقة تانية و كان دخول البلكونة محظور عليا 
فقررت إن صومعتي الجديدة حتكون فوق الدولاب 
محدش يسئلني كنت بطلع إزاي , أنا نفسي مش فاكرة بصراحة 
كان بيتي الضيق الجديد اللي برسم و أقرأ فيه و ضامنة إن محدش حيوصل لحاجتي فيه 

افتكر مرة قرأت جواب ماما باعتاه لتيتا  كاتبة من ضمن الجواب :
" نون مجنناني , الشنطة بتاعتها دي مش بتشيلها من على ظهرها , حتى الحمام بتدخل بالشنطة و تطلع بالشنطة 
   أنا معرفش أم الشنطة دي فيها ايه , دي بتنام بيها و تصحى بيها و اللي يفكر يلمسها تصوت "

كنت بذاكر لوحدي و بنجح و أجيب درجاتي عالية لوحدي 
مكنتش ببذل مجهود بس كنت بجيبها معرفش إزاي 

اتصاحبت على صديقة في تانية ابتدائي و اتوفت بسبب مرضها بعدها بكام سنة 
كانت صديقتي الوحيدة 
كنت في الفرصة كما يقال هنا أو في الفسحة كما يقال هناك 
بقعد في ركن بعيد ممكن يبعد حوالي كيلو من ساحة اللعب , تحت شجرة فيها زهور وردية و ظل حلو , بقعد أكل هناك لوحدي و برضه الركن ده مكانش حد يستجرى يقرب منه لأنه اتسجل بإسمي أربع سنين المدرسة

بجانب كل ده ظهر اهتمامي الغريب بالفيديو جيمز من أول السيجا لحد ما نعرفه اليوم بإسم البلاي ستيشن العظيمة 
كنت بلاقي فيها المزيد من الوحدة الممزوجة بالونس 
 بلعب أهو و مع حاجة بتتحرك و فيها كلام بس لوحدي برضه 
كنت بحب أدفن دماغي فيها و اتحدى نفسي حقدر و لا مش حقدر 

مش حقول إني كطفلة اتولدت بحب الوحدة 
بالعكس أنا حاولت أندمج كتير و كنت بلاقي الرفض من كل اللي بحاول معاه 
كان كل الأطفال في الكويت بيتكلموا بلهجة أنا مش عارفة أتكلمها 
اللي خلاني شخص غريب عنهم و بالتالي شخص غير مرغوب فيه 
فكانت الوحدة صديقتي 

و استمريت في كل مكان ألاقي صومعة أسكنها 
في كل مدرسة أختار شجرة بعيدة محدش يشوفني تحتها و في كل بيت ركن 

لحد ما جسمي كبر و مبقاش ينفع أتدفس في دولاب
أو اتحشر ورى كنبة 
أو اطلب من ماما سرير بدورين عشان أخد الدور التحتاني أقفله بستارة 

كنت بخاف لو التلفون رن و ممسكتش تلفونات و اتكلمت فيهم غير و أنا عندي 19 سنة 

دخلت الجامعة و لقيت إني كشخص مرفوض تماما 
كائن غريب من نصين غير متناسقين 
حلو الطلة و القوام 
غريب المخ و الكلام 

صممت أسافر و بنيت أكبر صومعة كان ممكن أحظى بيها في حياتي
حياة متكاملة من الوحدة المطلقة 
شقة و دراسة و فيما بعد عربية 
كلهم ليا لوحدي محدش يقدر يقتحم الكينونة دي أو يدايقني أو يقولي إنتي مش تبعي 

استمريت ذلك الكائن الغريب الغير مفهوم 
لكن كوني بنت ده كان يعتبر عامل جذب و ليس عامل منفر 
كنت البنت الغامضة اللي بترفض تكلم أي ولد 
و اللي نص شباب الجامعة إن مكانش كلهم نفسهم يكلموها 

كل اللي أعرفهم كانوا فاكرين إني وحيدة مامتي , معرفش ليه ؟ 
الوحدة كانت باينة في ملامحي قوي كده ؟

اشتغلت كيوبيد , أي شاب ييجي يفاتحني بإعجابه بيا بدل ما أكسر بخاطره بزبطه لبنت تليق معاه 
شعبيتي زادت بشكل غير طبيعي بين معجبين بيا و مقدرين لأفضالي عليهم و ناس بتحترمني لشخصي 
الحمد لله كان الكل بيعاملني بشكل كويس إداني جرعة مخدرة خدرت وجعي شوية 


لكن ده مغيرش من حقيقة صحياني كل يوم مفزوعة بسبب كابوس مرعب عدى عليا 
و مغيرش من حقيقة إن قلبي لسه بردان رغم كل شيء 
و مغيرش من حقيقة إني كملت 21 سنة بنت ناضجة قلبها مدقش و لا مرة 

لحد ما شفته 
ممكن أكون قعدت قدام الكيبورد عشر دقايق ببص للشاشة بدور عالكلمة المناسبة اللي توصف احساسي يومها كان ايه 
و برضه ملقتهاش 
كانت أول مرة في حياتي أحس إني بنتمي لمكان 
أو مش مكان 
بنتمي لقلب متحاوط ببني أدم بيبصلي و يضحك 
قعدت بعيد و فضلت أبصله كتير و أنا بشوف فيه حاجات مش عارفة حسيتها إزاي 
طيبة و أدب و حنان و أمان و حضن دافي 
حسيته زيي , زيي بالزبط مبينتميش لحد غير نفسه 
حبيته 
حبيته قوي 
و لأني مؤمنة إني شخص مختلف فأكيد اللي حبيته ده مختلف زيي 
و أكيد أساليبي المجنونة حيحبها هوا كمان 
و حبها 
حبها قوي 

لكن القصة مكملتش و السبب واحد من أول حياتي 
إني لا أنتمي لمكان أو جنسية أو عيلة 
إني كائن جاي من فضاء عنده قيم و قواعد مختلفة
إني لا أشبه لدول و لا دول 


مشكلة عدم الإندماج دي عانيت منها لحد النهاردة 
في شغلي في حياتي و حتى يوم ما حبيت و قررت أتجوز و لقيت حد مش هامه أنا بنتمي لمين المهم إني بنتميله 
للأسف كل الل حواليه تعبوا نفسهم يقنعوه إني مش زيه و مش منه و مش حنفعه لحد ما تعب و تعبت معاه .

حتى هوا رفضني ... رفض حبي .. و رفض حبه ليا 
بس الرفض المرة دي كان قاسي قوي
الرفض اللي ييجي بعد العشق ده كله و الأمل و العشم في بكرة مليان سعادة 
  قتل جوايا حاجات مكنتش أعرف إنها ممكن تموت

يمكن اللي زيي مالوش نصيب حد ياخد في حضنه 
لأن حتى الحضن في زمانا ده مينفعش تديه لحد إلا بموافقة الأعراف و الأهالي و القيم و التقاليد 

يمكن اللي زيي لازم يتقبل حقيقة وحدته 
و يبطل يتجرح كل ما شاف الرفض في عنين الناس اللي بيحبهم و اللي نفسه يقرب منهم 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق